الإخوان في الفراغ السياسي
د. رفيق حبيب : بتاريخ 3 - 6 - 2008
الصورة التي يرسمها الإعلام المصري، منذ فوز الإخوان في الانتخابات التشريعية عام 2005 بنسبة من مقاعد مجلس الشعب، والتي تحاول صياغة الوضع السياسي بأنه مقابلة بين بديلين الحزب الحاكم وجماعة الإخوان، تمثل في الحقيقة مأزقا للإخوان، ومخرجا للحزب الحاكم أو فلنقل النظام الحاكم في مصر. فتلك المقابلة وإن كانت تعني أن جماعة الإخوان المسلمين هي القوى المعارضة السياسية الأولى في مصر، وأنها أقوى قوة تعارض النظام الحاكم، إلا أنها تصور الوضع السياسي في مصر وكأنه ينحصر في مشكلة بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين. والبعض يرى في تلك الصورة أنه أمام بديلين كلاهما مرفوض بالنسبة له؛ والبعض الآخر يرى أن مشكلة الحياة السياسية في مصر ناتجة من الصراع بين النظام الحاكم والإخوان، ولهذا يحمل الطرفين مشكلة الأوضاع السياسية الراهنة؛ والبعض الآخر يرى أن جمود الحياة السياسية وحالة الاستبداد الراهن ناتجة من المواجهة بين النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، ويستنتج من ذلك أن الجماعة هي السبب في حالة الجمود الراهنة، لأنها تضطر النظام إلى أخذ تدابير استبدادية لوقف نمو ونشاط وحضور الجماعة.وهذه الصورة مغلوطة في الواقع، فالأمر يجب النظر إليه من خلال رؤية مختلفة، تقوم على ما هو حادث على أرض الواقع. فإذا عدنا مثلا إلى ثمانينات القرن العشرين، سنجد عددا من القوى السياسية المتنافسة، ولكل من هذه القوى حضوره الجماهيري بمقدار ما، وهو ما ظهر مثلا في انتخابات مجلس الشعب عام 1987. وفي هذه الانتخابات كانت جماعة الإخوان المسلمين تمثل أحد القوى التي تعارض النظام المصري، وكانت مع التحالف الإسلامي الذي ضم حزب العمل وحزب الأحرار، تمثل منافسا قويا، حاز على أكبر عدد من المقاعد مقارنة بالقوى المعارضة الأخرى. وبهذا نرى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت ومازالت قوة معارضة للنظام الحاكم سياسيا. أي أن الجماعة وهي تمثل في الواقع حركة اجتماعية، تقوم بدورها السياسي من منطلق مختلف عن النظام الحاكم، مما يعني أن الموقف السياسي للجماعة مختلف عن النظام الحاكم. وهذا الموقف من الجماعة يجعلها في صفوف القوى السياسية المعارضة، حتى وإن كانت تمثل حركة اجتماعية شاملة، تقوم بالعديد من الأدوار وعلى رأسها الدور الديني. ولكن هذه الصورة تغيرت، فبعد أن كانت الجماعة ينظر لها كأحد القوى الفاعلة في المجتمع المصري، أصبح ينظر لها بوصفها القوة الوحيدة. وهو ما ظهر في انتخابات عام 2005، حيث فازت الجماعة بعدد مقاعد يمثل أضعاف ما فازت به القوى المعارضة الأخرى، رغم التزوير الحادث بحقها، والذي منع الجماعة من تحقيق عدد إضافي من القاعد، يقربها من نسبة ثلث المجلس. لهذا تصبح الصورة الحالية والتي تحصر المجال السياسي بين قوة حاكمة وهي النخبة الحاكمة في مصر والتي تمثل نفسها بالحزب الوطني الديمقراطي، وبين حركة اجتماعية معارضة تقوم بدور سياسي ملحوظ، هذه الصورة هي نتاج غياب القوى السياسية المعارضة الأخرى، وليست نتاجا لحالة الصدام بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان. وعملية تفريغ الحياة السياسية من القوى السياسية المعارضة التي لها حضور في الشارع المصري، استفاد منها النظام الحاكم، وأضرت جماعة الإخوان المسلمين، كما أضرت التيارات السياسية الأخرى.فالاتجاهات السياسية المختلفة في مصر أصابها قدر من الغياب الحاد عن الساحة السياسية، وهو ما أدى إلى تقلص دورها السياسي بصورة حادة، حتى لم يصبح لها دور إلا في وسائل الإعلام والتي تسيطر على الكثير منها، ونقصد خاصة الاتجاهات الليبرالية واليسارية. والنظام الحاكم تخلص من تعدد المنافسين، رغم أنهم كانوا الأقل حضورا مقارنة بالتيارات الإسلامية، وتخلص من حزب العمل الإسلامي بتجميد الحزب، ومعنى هذا أن النظام كان يعمل على إخلاء الساحة من المنافسين السياسيين، فبقى أمامه في النهاية جماعة الإخوان المسلمين، والتي حاول التخلص منها، أو حاول التخلص من نشاطها السياسي ولم يستطع. وهنا حاول النظام الادعاء بأن الجماعة تمثل خطرا على المجتمع المصري ليبرر التصادم معها، ويبرر إجراءاته الاستبدادية. ويريد النظام الإيحاء بأنه يغلق المجال السياسي للتخلص من النشاط السياسي والوجود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وكأنه سيعيد فتح هذا المجال بعد تحقيق هدفه، وهذا ليس صحيحا. وللأسف فإن بعض النخب السياسية والتي فقدت تياراتها تواجدها الجماهيري، أصبحت توافق النظام على فكرة الاستبداد من أجل التخلص من الإخوان، رغم أن النظام يهدف للتخلص من كل المنافسين، كما فعل مع الأحزاب السياسية والتي حوصرت حتى انهارت، بجانب أنها استسلمت لهذا الحصار وابتعدت عن الجماهير وتحالفت مع النظام، فساعدت النظام على القضاء عليها. هنا تبرز المشكلة الأساسية التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين، حيث تقف في الساحة بمفردها، بعد أن أصبحت جماهير التيارات والأحزاب السياسية الأخرى محدودة لحد كبير. والبعض تصور أن الجماعة تستفيد من هذا الوضع، ولكنها في الواقع تخسر الكثير بسببه. فهي أولا تخسر بسبب تعرضها لضربات النظام الحاكم، وبسبب التضييق السياسي الواسع الذي يقوم به النظام ويحاول أن يوحي أن هذا التضييق هدفه جماعة الإخوان دون غيرها، ليبرر ممارساته الاستبدادية بمحاولة القضاء على الجماعة، ولهذا يحاول أن يصور الجماعة بأنها خطر على المجتمع. ويحاول النظام استخدام الحضور السياسي الواسع للجماعة لتخويف الغرب وتخويف الأقباط وتخويف الغرب على الأقباط، حتى يعطي لنفسه مساحة واسعة لضرب الجماعة وتجاوز كل القوانين في التعامل معها.والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين تتضرر كثيرا من الغياب شبه الكامل للقوى السياسية الأخرى، ولكنها لا تملك وسيلة لحل هذه المشكلة، والحل بيد النخب السياسية الممثلة لهذه التيارات التي غابت عن الساحة. ولكن بعض النخب تتصور أنه يمكن القضاء على الجماعة أثناء غيابها عن الساحة، وكأنها تنتظر نتيجة الصراع بين النظام والجماعة، حتى إذا انتهى بغياب الجماعة تعود هذه النخب لتأسيس قواعدها الجماهيرية. والنظام ينتظر ليقضي على النشاط السياسي للجماعة، إذا لم يستطع القضاء على الجماعة، وهو يعرف أن النخب الأخرى مقدور عليها، وأنها لا تملك رصيدا في الشارع، وبالتالي يمكن الحد من تواجدها بسهولة. وتلك الصورة في الواقع تؤدي إلى غياب مختلف الاتجاهات السياسية من الشارع المصري، وتجعل التيار الإسلامي هو الوحيد صاحب الحضور الجماهيري. وفي نفس الوقت، فإن تلك الحالة تؤدي أيضا لغياب أي تواجد جماهيري للنظام الحاكم، وبهذا يصبح الشارع السياسي يعاني من فراغ كبير، ومعه حضور واسع للتيار الإسلامي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين. ورغم أن الجماعة هي التي تدفع الثمن بسبب هذا الفراغ، إلا أن النتيجة سوف تكون في صالح تأسيس وجودها الجماهيري، لدرجة تجعله غير قابل للحصار. كما تجعل الشارع مؤهلا لقبول الحركات الإسلامية عموما، والاتجاهات السياسية الجديدة، ولكنه غير مؤهل لقبول الاتجاهات السياسية التي غابت عنه، وغير قابل لقبول النظام الحاكم. وبهذا يكون هذا الفراغ السياسي الذي يهدف لحصار جماعة الإخوان، سببا في تحقيق تواجد أعمق وأكبر للتيار الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق